المشاحنات بين الأخوة

مشاركة المقال:

يعد حل المشاكل بين الإخوة من أكثر المواضيع تحدياً وصعوبة في التربية، وكالعادة سنبدأ ببعض المفاهيم الأساسية:


1- أطفالنا صالحون وخيّرون بالفطرة، ونحن أيضاً كائنات اجتماعية من المهم أن نتلقى الحب والتواصل، وأن نكون محبوبين من والدينا وأن تكون علاقتنا معهم جيدة.

2- حبكم لأطفالكم وتواصلكم معهم وتقوية أواصر العلاقة بينكم حاجة ضرورية وملحة مثل الأكل والماء والتنفس، ويعد فقدان التواصل خلال اليوم- بخاصة للأطفال الأصغر سناً، فقداً لحاجة أساسية، ما يسبب توتراً في جهازهم العصبي ويجعلهم يبحثون عن مزيد من التواصل بأي طريقة ممكنة.

إذًا نقول إن أطفالنا صالحون وطيبون ويريدون التواصل والتمتع بعلاقات جيدة وصحية، فلماذا تحدث المشاحنات والمشاكل؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نسأله! مثلًا إذا كان طفلي يعيش مشكلة في هذه اللحظة، ولا يملك القدرة على التواصل بصورة سليمة مع أخيه أو أخته، على أن أنظر بعين من يبحث عن سبب لا بعين اللوم؛ فهذا من شأنه أن يغير كل شيء بالنسبة إلي بصفتي أمًا.

هذا الطفل الذي يدخل في كثير من المشاحنات مع إخوته ليس مشاغباً ولا مشاكساً ولا شريراً، بل هو طفل يمر بمشاعر صعبة ولا يعرف كيف يفرغها بصورة سليمة وإيجابية، ويلجأ إلى هذه التصرفات ليفرغ شحنات التوتر والغضب والقلق. إذًا، قبل أن نشرع في حل المشكلة الآنية التي تحدث أمامنا، لا بد من اتخاذ تدابير وقائية مسبقة، ويتمثل أهم هذه التدابير تحديد وقت خاص للطفل.

نتحدث دائمًا عن الوقت الخاص، لكننا لا ندرك أنه مفهوم مختلف عن قضاء وقت وحدنا مع الطفل. يعني قضاء وقت خاص مع أطفالنا بحسب منهج التنشئة عبر التواصل أن نتخلى عن دورنا بوصفنا آباء وأمهات، ونجعل القيادة مدة معينة (5 دقائق أو 15 دقيقة) خلال اليوم في يد الطفل. يميل المربون عندما يكون لديهم أكثر من طفل إلى التعامل معهم بوصفهم مجموعة؛ فيخرجون سوياً ويلعبون سوياً، لأن هذا الأمر يلائم وقتهم، لكننا ننسى أن كل طفل هو ذات منفردة ويحتاج إلى التواصل مع الأم أو الأب لوحده من دون إخوته الآخرين. لذلك مثلما نحرص على تقديم الوجبات ثلاث مرات يوميًا، من المهم أن نحرص على قضاء وقت مع كل واحد منهم على حدة يستلم فيه القيادة، وهذا يعني أن ننقاد إلى رغبة الطفل وما يريد أن يفعله من دون أن نوجهه أو نقدم أي اقتراحات أ ونصائح؛ فعندما نملأ كأس أطفالنا بالحب والتواصل لن يشعروا بالحاجة إلى تفريغ هذه المشاعر ضد بعضهم.

في منهج التنشئة عبر التواصل نستخدم مهارات تساعد أطفالنا في تفريغ مشاعرهم بصورة سليمة؛ إذ أن البكاء ونوبات الغضب ما هي إلا طرق يفرغ الطفل المشاعر من خلالها، طرق يجب ألا نقمعها. بالطبع علينا أن نقف في وجه الضرب والتكسير بوصفهما سلوكين مؤذيين، ولكن علينا ألا نحارب البكاء ونوبات الغضب، بل أن نسمح بتفريغ هذه المشاعر بصورة طبيعية. إذا منحنا أطفالنا المساحة لتفريغ هذه المشاعر في حضورنا وفي دائرة آمنة معنا، سوف تتناقص حاجتهم إلى تفريغ هذه المشاعر مع بعضهم، ومن ثم سوف تخف حدة مشاحناتهم مع بعضهم.

حسناً هذه هي التدابير الوقائية، ولكن ماذا نفعل إذا حدثت مشكلة الآن بينهم؟

يجب أن نحاول قدر الإمكان أن نلتزم الحياد إذ ليس علينا أن نحل المشكلة، بل أن نساعدهم في حل المشكلة بأنفسهم. أحد المهارات التي يجب أن يتعلمها الأطفال تتمثل في ثقافة الاختلاف؛ عليهم أن يتقبلوا أنهم يعيشون في عالم فيه أشخاص مختلفين عنهم ويفكرون بطريقة مختلفة، وأن يتعلموا إدارة خلافاتهم مع الآخرين. إذًا عندما تحدث أي مشكلة ينبغي على المربي ألا ينحاز إلى أي طرف، وأن يحافظ على المسافة الآمنة كي لا يسمح بإيذاء الإخوة بعضهم، بل أن يستمع إلى الطرفين ويتعاطف معهما من دون تدخل في السبب الرئيس (اللعبة، القلم، الكعكة)، فهذه أشياء غير مهمة. ينبغي أن يكون المربي مثل الشمس التي تشع محبة على الجميع، وعندما ينتهي الأطفال من تفريغ مشاعرهم سوف نلاحظ أنهم سيهدؤون ويصلون إلى طريقة للتفاهم مع بعضهم.

قصة:

سأذكر لكم قصة أخبرتني بها إحدى المشتركات في ورشة صراع الأخوة. أم لديها ثلاثة أطفال؛ ولد وبنتان أصغر منهما، كانوا خارج المنزل. كان يومًا طويلًا والأطفال متعبين وجائعين، وفي طريق العودة إلى البيت أخبرتهم الأم أنها سوف تتوقف في محل الدونات (Doughnut) من أجلهم، وسألت الأطفال ماذا يريدون من المتجر، فطلبت البنتان دونات باللون الوردي، لكن الأم وجدت قطعة دونات وردية واحدة؛ فقررت شراءها مع لون آخر لتتقاسماه. عندما وصلت الأم إلى السيارة أخرجت الدونات الوردية وأخبرتهم أنها لم تحصل إلا على قطعة واحدة، فهجمت البنتان على القطعة وبدأتا بالشد. كانت الأم تدرك أن هذه ليست طبيعة طفلتيها، وأنهما ليستا سيئتي السلوك بل متعبتان. أمسكت الأم قطعة الدونات بينما كانت الفتاتان تضربان بعضهما، ووضعت يدها بين الطفلتين وجلست تسمع صراخهما وتقول جملاً تعبر عن تعاطفها مثل” (أنا آسفة، كانت هذه القطعة الأخيرة في المتجر). عندما يكون المربي هادئًا سوف ينقل هدوءه إلى الموقف، لكن عندما يتدخل وينضم إلى جوقة الصراخ، يكون قد ساهم في تأجيج المشاعر السلبية، في حين أن ما نريده هو أن نشعرهم بالأمان لتهدأ مشاعرهم. عندما هدأت الطفلتان سألتهما الأم: هل تودان تقاسم قطعة الدونات؟ أومأتا بالإيجاب وتقاسمتا القطعة. أكملت الأم القيادة وهي تسمع إحدى الطفلتين تقول لأختها: أنا آسفة لأنني صرخت، وتقاسمت مع أختها النصف الذي حظيت به أيضاً. لماذا حدث هذا؟ لأنهما حصلتا على فرصة لتفريغ هذه المشاعر. وهذا ما علينا فعله نحن، مساعدة أطفالنا في تفريغ مشاعرهم. تعتمد كل التقنيات التي ذكرتها على التواصل، أي على خلق لحظات يشعر أطفالنا فيها بقربنا الجسدي والمعنوي.

ولاسترجاع ما ذكرناه: أؤكد على قضاء وقت خاص مع كل طفل وتوفير فرص كثيرة للأطفال لتفريغ المشاعر.
وأخيرًا، عند حدوث صراع ابقوا على الحياد ولا تحاولوا حل المشكلة. ينحصر دور المربي في احتواء الأطفال وإبقائهم في أمان والإنصات إلى مشاعرهم كي يتواصلوا مع بعضهم بمحبة عندما يهدؤون.

إقرأ المزيد

مقالاتنا الأخرى

التربية من عدسة التنظيم الانفعالي

نتلقى كمربين وباستمرار الكثير من النصائح الموجهة لتغيير سلوك أطفالنا. وحتى المحتوى الموجه للمربين اليوم يقع مجمله في نطاق المدارس السلوكية التي تنشغل بتقديم حلول