نحن وأطفالنا والصيف

مشاركة المقال:

مع بداية الصيف، تبدأالأسئلة الأزلية من قبيل مالذي سافعله مع أطفالي؟ وغالباً ماتنحصر الإجابات في الخيارات الثلاث التالية

  1. التسجيل في نواد صيفية
  2. وضع جدول مكثف للنشاط في المنزل 
  3. جدول مفتوح من دون مخططات

قبل أن أحدثكم عن هذه الخيارات الثلاث يجب أن أوضح أنه لا توجد إجابة صحيحة، وما من أحد في العالم من شأنه أن يخبركم ماذا يجب أن تفعلوا مع أطفالكم لأن هذه القرارات تتعلق بنمط حياتكم وظروفكم الخاصة ومعرفتكم باحتياجات أطفالكم.

ولكن ربما يكون السؤال الأهم والذي يفوتنا غالياً أن نسأله هو ماهو الهدف من اختيارنا نشاطًا بعينه، وغالباً ما تكون الإجابات متعلقة باكتساب المهارات؛ أكاديمية كانت أم اجتماعية.

سأحاول في النص التالي أن أحصر أغلب الأسباب التي تحرك دوافعنا كمربين، وسأصنفها في مجموعتين:

  1. أسباب متعلقة بالأبناء:

سواء الحصول على معلومات جديدة أو اكتساب مهارات جديدة. 

ولكن ماذا نريدهم أن يتعلموا؟

 هل نريد لأطفالنا أن يتعلموا مهارات أكاديمية؟ لا يعد تعلم المهارات الأكاديمية بالنسبة إلى الأطفال أقل من ست أو سبع سنوات أولوية. هناك سلسلة مخصصة للتعليم والتعلم متاحة بشكل مجاني على صفحة المصادر المجانية، ومن يعرفني يعرف أنني شغوفة بهذا الموضوع ولدي أيضاً خبرة عملية بسبب عملي في السنوات السابقة واختصاصي في سياسات التعليم، لكنني سوف أفعل ذلك بطريقة مبسطة. المهارات التي نركز عليها في مرحلة ما قبل سبع سنوات هي مهارات غير أكاديمية؛ مثل مهارات اتخاذ القرارات وحل المشكلات وتنظيم الانفعالات، وهذا ليس رأيي الشخصي بل حقيقة أثبتتها الدراسات والأبحاث. 

كيف يتعلم الأطفال؟

 هذا أيضاً تخصص كامل وفيه نظريات وأبحاث. كيف يتعلم الإنسان ؟ يتعلم بوجود شرطين أساسيين: أن يشعر بالحب والأمان، وهذا الشيء ضروري ومهم أكثر بالنسبة إلى الأطفال صغار العمر، ولذلك حتى يكتسب طفلي أي مهارة – على الصعيد الأكاديمي أو أي صعيد آخر- يحتاج إلى أن يكون في مكان يشعر فيه بالحب والأمان والثقة مع الشخص الذي يعلمه. لذلك يتعلم الأطفال بصورة أفضل عندما يكونون مع أهلهم ويشعرون بالتواصل والأمان معهم، ويتعلمون بصورة ضعيفة عندما يكونون مع شخص غريب يشعرون بعدم الثقة تجاهه. 

الأمر الآخر المهم في عملية التعلم هو أن أفضل تعلم يجري عن طريق اللعب، وهذه أكثر عبارة يساء استخدامها في عالم التربية. عندما يقال إن الأطفال يتعلمون من خلال اللعب فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو القيام بنشاط ممنهج ومجدول. لكن هذا مفهوم غير صحيح لأن الأطفال يتعلمون بصورة أفضل من خلال اللعب الحر، أي اللعب غير الممنهج الذي لا يرتكز على قواعد وإرشادات. يجب أن تكون البيئة آمنة ومهيئة للاستكشاف والتجربة، وليس من الضروري وجود خطط مسبقة؛ حتى أن جمعية طب الأطفال الأمريكية أوصت الأطباء بكتابة وصفات باللعب الحر على غرار وصفات الأدوية! 

واليوم في ظل المدنية التي نعيشها والضغوط والسرعة التنافسية التي نعيشها ويعيش أطفالنا معنا فيها، نريدهم أن يتعلموا كل شيء بسرعة. ننظم يومهم بطريقة مبالغ فيها؛ وهذا يحرم الطفل من أي فرصة لصنع قراراته بنفسه، ويفتقر إلى أي مساحة للشعور بالملل. أيضًا هناك دراسات كثيرة الآن تطلب من المربين ترك الأطفال يشعرون بالملل، لأن هذا الشعور يحفزهم على تشغيل أدمغتهم الصغيرة وإبداع وابتكار أشياء جديدة. ولكن إذا اعتدت من صغري على وجود شخص ملازم لي ويحدد ما يجب علي فعله أو عدم فعله، لن أتعلم كيف أنظم يومي وحدي وماذا أفعل في وقت فراغي. يعد إحساس المربي بالمسؤولية عن تسلية الطفل وملئ يومه بالنشاط والدورات والنوادي إحساسًا مدمرًا وغير صحي، ويخلق ضغطًا هائلًا على المربي، وفي الوقت ذاته يحرم الطفل من مهارات أساسية.

ماهي أنواع اللعب المهمة للتعلم؟      

من الجوهري أن يلعب الطفل مع الطبيعة، يجب أن يلمس الرمل وورق الأشجار، أن يشعر بحفيف الهواء على شعره وضوء الشمس في أثناء سطوعه على جسمه. قبل أن يمسك قلماً للكتابة، يجب أن تكون يده قد تمرنت على اللعب والشد والسحب والعجن واللمس وتعرفت إلى عدد من خامات الطبيعة مثل الحار والبارد والخشن والناعم. هناك دائماً فرصة حتى لو كان الجو حاراً، اتركوهم يتعرقون ويلعبون هذا شيء صحي ومطلوب لتنمية الدماغ والمهارات التي لا يمكن أن يكتسبوها في داخل الغرف المغلقة. 

لا أستطيع القفز وتوقع إتقان طفلي القراءة والكتابة والمهارات الاجتماعية أولاً؛ فهذه المرحلة تسبقها مرحلة اكتشاف الذات والجسد والأعضاء والبيئة من حوله. سيخطئ ويتحدى نفسه وسيشعر بحب عائلته وبالتواصل معهم. 

  • أسباب متعلقة بالأهل 
  • الرغبة في الحصول على مساحة خاصة 

هذا من حقكم ولكن أريد أن ألفت انتباهكم إلى شيء ما؛ في مرة حولت لي المدرسة إحدى الأمهات، وعندما قابلتها وجدت أن الأم لديها خوف من الإجازة ومن البقاء مع الطفل من دون أن تعرف ماذا تفعل معه! شعرت بالتعاطف معها إذ كنت في مرحلة ما أحمل هذه المخاوف نفسها عندما كانت ابنتي أصغر ولم أكن أعرف كيف ألعب مع الأطفال. هذا الأمر من شأنه أن يدفع الأم إلى دوامة من الإحساس بالذنب لأنها لا تعرف ماذا تفعل مع هذا الطفل عندما نكون وحدنا! في حال حدوث ذلك، أود أن أقول إن الحل لا يكمن في تسجيل أطفالكم في النوادي أو ترتيب جداول مزدحمة بأنواع مختلفة من النشاط!

أنا لا أوجه انتقادات هنا، لكن هذا الأمر يدل على وجود مشكلة في علاقتنا مع أطفالنا ومهاراتنا التربوية، ولا بد من مواجهة هذه المشكلة، لأننا إذا لم نتعلم كيف نقضي وقتاً مع أطفالنا من دون وجود نشاط وبرامج فهذه مشكلة ولا بد من تطوير مهاراتنا الخاصة.

  • التكنولوجيا

هناك خوف كبير من فكرة أن عدم انشغال الأطفال بشيء مفيد سيجعلهم يجلؤون إلى التكنولوجيا، وهذا أيضاً يدل على وجود مشكلة لا نتعامل معها جذريًا. إذا لم أكن قادرة على وضع ضوابط خاصة بالتكنولوجيا مع أطفالي يعني أني عموماً غير قادرة على وضع أي ضابط. يعد إشغالهم حلًا مؤقتًا لأنني لم أحل المشكلة الجذرية وهي ضعف وضع الضوابط. كما ترتبط مشكلة التكنولوجيا بجهلي في طرق اللعب مع أطفالي، لأن عدم لعبي مع أطفالي يخلق لدي شعورًا بالرغبة في الهروب من إزعاجهم لي وشعورهم بالملل، فأستسلم بسهولة وأقدم لهم التلفاز أو الآي باد.

هناك العديد من الأفكار المسلية التي يمكنكم أن تبدئوا بها لتكسروا حاجز الخوف من اللعب ستجدونها على صفحتنا على الانستغرام تحت الوسم #العب_معي_تنشئة، وكذلك يمكنم تحميل ملف بعنوان “37 لعبة لوالدية مرحة” من صفحة المصادر المجانية على موقعنا. هذه الأفكار بسيطة وغير مكلفة مادياً، ويتخللها كثير من الضحك والتواصل وبالتأكيد ستجعل صيفكم ممتعاً.

ما ذكرته هنا لا يعني أن خياراتكم مهما كانت خاطئة وأن ما أقوله وحده هو الصحيح، ولكنها فقط دعوة إلى رؤية ما تحت السطح، ولمحاولة فهم خياراتكم بشكل أفضل. 

إقرأ المزيد

مقالاتنا الأخرى

التربية من عدسة التنظيم الانفعالي

نتلقى كمربين وباستمرار الكثير من النصائح الموجهة لتغيير سلوك أطفالنا. وحتى المحتوى الموجه للمربين اليوم يقع مجمله في نطاق المدارس السلوكية التي تنشغل بتقديم حلول