هل يمكن أن تتحوّل كلمات التشجيع لعقبات أمام أطفالنا؟

مشاركة المقال:

كلمات “التشجيع” .. هي أول وسيلةٍ ربما تخطر ببالنا عندما نحاول أن نكون داعمين لأحدٍ ما، وهي في الوقت نفسه قد تكون أول ما يُحبِطنا عندما نسمعها من المحيطين بنا ونحن في موقف المحتاج للدعم والمساندة، فكثيراً ما أحبطتنا عبارات مثل “ولا يهمك الأمور طيبة” أو أنت قدها وقدود” و”انشالله راح تعدّي”. وذلك لأن هذه العبارات لا تفسح لنا المجال للتعبير عن ألمنا ولا تعطينا شرعية الإحساس به بل تحاول بأسرع مايمكن أن تلهينا عنه أو تشعرنا بضآلته.

هذه بالضبط هي مشاعر أطفالنا أيضاً، عندما نحاول أن نلهيهم أو نقلل من ألمهم واحباطهم ونلجأ لها بشكل سريع وقبل أن يكونوا جاهزين لإعطاء الحلول أو التفكير في الخيارات.  إن دورة المشاعر سواء كانت مشاعر ألم أو إحباط تحتاج منا أن نحترم سيرورتها وألا نحرق مراحلها. أدرك تماما أن مشاعدة أطفالنا وهم محبطون أو متألمون هو أمر ثقيل علينا كمربين ونحن غالبا ما نشعر بالحاجة لدفعهم لتجاوزها بأسرع مايمكن لكن ذلك غالباً ما يشعرهم بأنهم وحيدين مع مع مشاعرهم الصعبة ولا يقدم لهم أية فرصة لفهمها وهضمها وتجاوزها، ولا أدوات حقيقة لحل المشكلات.

لذا سنحاول في هذه المقالة أن نقدم بعض الأفكار التي تساعدنا على النظر للموضوع من وجهة نظر مختلفة والتعلم معه بشكل يساعد أطفالنا على عبور لحظات التوتر بشكل متزن.

دور المربِّين في فهم مشاعر أطفالهم

بدايةً علينا أن نعلم أنه من الطبيعي أن يتعرّض كل الأطفال للمشاعر الصعبة، فهي نتاج عملية النمو الطبيعية التي يمر بها الأطفال وتفاعلهم مع المحيط وه أمر صحي وضروري لتطورهم.  وكبعض الأمثلة نذكر الإحباط من صديق/ة، أو الغضب من موقف معين، أو التعب والإجهاد في مادة من المواد الدراسية، أو توتر من التغيرات. ودورنا كمربّين هو أن نساعد  أطفالنا على تطوير قدرتهم على التصالح مع هذه المشاعر الصعبة كجزء لا يتجزأ من دورة الحياة، عن طريق المرور خلالها والخروج منها بشكل يكسبهم مهارات حل وتحليل المشكلات؟

اليوم سأناقشكم بثلاث أفكار تساعدنا على دعم أطفالنا في مثل هذه المواقف الضاغطة والجديدة أو الغريبة، والتي لا يملكون الأدوات المناسبة أو الكافية للتعامل معها.

الإقرار بالمشكلة وتفهّمها أول خطوة لدعم أطفالنا

كثيراً ما تدفعنا غريزة الحماية إلى البحث عن أسرع حل لمساعدة أطفالنا لتجاوز الصعوبات التي وقعوا فيها، فنجد أنفسنا نندفع بقوة لكلمات التشجيع معتقدين أنها يمكن أن تكون الترياق لانكسارات أطفالنا أو نبادر بإعطائهم مجموعةً من الحلول الجاهزة المعلبة دون أي نقاش. لكننا نعرف اليوم من خلال الأبحاث أن هذه ليست بالطريقة الناجعة للدعم، فأول ما يحتاجه الشخص عندما يتعرّض لمواقف صعبة هو الشعور بالإقرار وتقبّل الوضع الذي وقع فيه، أي أن يشعر أن صوته مسموع ومشاعره ومعاناته يتم تقديرها وفهمها. في الواقع هذه تشكّل المرحلة الأولى وواحدة من أهم المراحل التي يحتاج أي شخص أن يمرّ بها بشكل طبيعي قبل أن ينتقل للمرحلة التالية وهي مرحلة حل المشكلة واستخلاص العبر والدروس منها.

إذاً علينا أن نعلم أن أطفالنا يحتاجون في بداية الأمر وقبل كل شيء للإقرار بمشاعرهم ومواقفهم، دون اللجوء للحكم عليهم أو توجيههم عبر النصائح وهم في أوج انفعالهم، فهذا من الممكن جداً أن يزيد عمق شرخ المشاعر الصعبة في أنفسهم.

طرق التعبير عن المساندة مختلفة ولا تقتصر على الكلام

لا شك أننا نضع أهمية كبيرة للكلام المنطوق في تواصلنا كبشر مع بعضنا البعض، لكنه في الحقيقة لا يشغل إلا حيزاً بسيطاً لا يتعدى السبعة في المئة حسب بعض الدراسات، بالمقارنة مع طرق التواصل الأخرى مثل نبرة الكلام ولغة الجسد وتعابير الوجه. فهذه تشكّل قنوات أهم لنقل أحاسيسنا ومشاعرنا لأطفالنا. قدرتنا على إدارة هذه القنوات بشكل يرسل رسائل داعمة لأطفالنا يعتمد بشكل كبير على الطريقة التي نفكر بها كمربين في المواقف الضاغطة. فأن كُنّا نبدأ بإطلاق الأحكام على أطفالنا في هذه اللحظات أو كُنّا نخاف نحن أنفسنا من مواجهة المشاعر الصعبة، فإن هذه المخاوف أو المشاعر ستصلهم وبالتالي سيفكرون بالمشاعر الصعبة على أنها أمر خاطئ أو مخيف. أما لو طورنا قدرتنا على الهدوء وتنظيم انفعلاتنا في المواقف الضاغطة وفي مواجهة توتر أطفالنا وألمهم فإننا بذلك نرسل لهم رسائل أكثر ثباتاً وتفهماً تعينهم على بناء مرونتهم النفسية امام المشاعر الصعبة على المدى الطويل. وستساعدنا في الوقت نفسه على تقديم الدعم لهم بكل ودٍّ وتفهُّم.

العمل على ملاحظة أفكارنا وتغييرها ستؤهلنا لنكون في موضع دعم ملائم من دون أن نقلق كثيرا حول الكلمات التي يجب علينا استخدامها أو طريقة التعبير الصحيحة عنها. وبالرغم من ذلك دعونا نستعرض بعض الأمثلة على عبارات داعمة على سبيل الإلهام والتي من الممكن أن ندعم بها أطفالنا دون أن نشعرهم بالعجز أو الإحباط:

  • أفهم تماماً لمَ تحس بخيبة الأمل/ الإحباط/ الانزعاج.
  • إحساسك منطقي جداً في هذا الوضع.
  • كأنك تشك بنفسك؟ أو أنك تقول لنفسك أنك لست قادراً على القيام بالشيء الفلاني مثلاً أو تعتقد أن الآخرين لن يحبّوك.
  • قد أكون مخطئة لكني أعتقد أنك متضايق من هذا الشخص.

إذاً فالفكرة تكمن في أن نعيد صياغة ما نسمعه من أطفالنا بلغة سهلة وبسيطة وأن نكون قريبين منهم بشكلٍ يساعدهم على تعلّم مفردات تعينهم على التعبير عن مشاعرهم، وأن ننقل لهم صورة متقبّلة ومتفهّمة كآباء وكمربِّين لكي يتجنّبوا إنكار مشاعرهم أو التهرّب منها.

ففي كثيرٍ من الأحيان يحتاج أطفالنا أن يشعروا بوجودنا بقربهم، وبتوفّر حضنٍ دافئ يلجؤون إليه ويبكون فيه ويفرّغون طاقة الحزن والإحباط عندهم، أو لمسات منا تمسح عنهم الحزن والتوتر والقلق الذي يمرّون فيه دون أن نثقلهم بعبارات قد تفاقم أحاسيسهم السلبية أكثر.

تدريب أطفالنا على تحليل المشكلات كخطوة ثانية لدعمهم

بعد أن نكون قد أظهرنا لأطفالنا التفهّم والدعم الكافي وأعطيناهم مساحتهم الكافية لاختبار مشاعرهم والمرور بشكلٍ سليم فيها ومن ثم التصالح معها _ وعلينا أن نذكر هنا أمر مهم؛ ألا وهو أن هذه المشاعر تستغرق بعض الوقت حسب كل طفل وشخصيته ونضجه الانفعالي _ يأتي الآن دور الأسئلة الاستفهامية، والتي نطرحها لغاية إكساب أطفالنا مهارة تفكيك وحل المشكلات التي تستدعي الحل.

إن الدور الذي نبادر بأخذه كبالغين وكمربِّين عندما نسرع بطرح حلول للمشاكل وحتى تنفيذها عوضاً عن أطفالنا، ونحن نعتقد بأننا بذلك نساعدهم، هو في الحقيقة أمر يحرمهم من فرصة تطوير مهارات تحليلية للمواقف والمشاكل.

بدلا من ذلك ربما يمكننا محاولة اعطاءهم الفرصة للتعبير عن المواقف من وجهة نظرهم ومساعدتهم على رؤيتها من زوايا مختلفة من خلال طرح أسئلة استفاهيمة من قبيل  “لماذا وكيف حدثت المشكلة؟” و “ما الأفكار المتوفرة لديهم لحلها؟ أو “كيف سيتعاملون هم أنفسهم مع الموقف؟”. لكن من الجدير بالذكر مجدداً أنه ليس بالضرورة أن تحتاج جميع المواقف لمثل هذا الأمر، فبعضها يمكن حلّه فقط بالطبطبة ومنح الأطفال حضناً دافئاً.

الأمر الآخر الذي يستدعي من المربِّين الانتباه هو أن نطرح الأسئلة السابقة من موقع صديق متفهِّم وفضولي لحل المشكلة وليس أبداً من موقع مشكك يحمل الأحكام واللوم والعتاب. من الممكن كذلك أن يفيد طرح بعض الأسئلة على شاكلة: “ما أصعب شيء في الموضوع؟”، “ما الذي تعلمته؟”، “هل تستطيع التفكير بشكلٍ أفضل بالمسألة؟”، “برأيك ما الذي نستطيع فعله لتصليح الموقف؟”، “إذا كانت بحوزتك عصا سحرية لحل الموضوع، فما أول خطوة ستستعمل فيها تلك العصا؟”..

الدعم والتشجيع كخطوة ثالثة

بعد الانتهاء من الخطوات السابقة المتمثلة بمنح أطفالنا مساحة كافية للتعبير عن مشاعرهم ومن ثم مناقشتهم بأسلوب حل المشكلة وتحليلها، يأتي الآن فقط دور الدعم والتشجيع الذي نمنحه لأطفالنا، فكل الكلمات التي كنا نرغب كمربِّين بقولها لأطفالنا في البداية، نستطيع الآن أن نغدقهم بها بعد أن أصبحوا متقبلين ومتفهّمين للموقف ولمشاعرهم إزاءه.

لكن النقطة الأخرى التي ينبغي الإضاءة عليها في موضوع المديح والتي نقع كمربِّين كثيراً في شباكها هي المديح الزائد. فمن المفيد أن نطور عادة الثناء على سلوك الطفل وخياراته أكثر من شخصه فنستبدل عبارات مثل “أنت ذكي” أو “أنت شجاع”، بعبارات مثل “أعجبني تفكيرك بالأمر الفلاني”، “يعجبني عدم خوفك وتوترك من الموضوع”.

وفي النهاية أودّ أن أنوّه على نقطة مهمة وهي أن تبنّي استجابات جديدة في علاقتنا مع أطفالنا هو أمرٌ يحتاج لممارسة وتدريب ولن تصبح تلك العلاقة مثالية أبداً، لذا لا ينبغي أن نصاب بالإحباط من عدم تمكننا أحياناً من التواصل بشكل فعّال مع أطفالنا. فنحن كمربين أيضاً نمر بعملية تعلّم مستمرة، وعلينا في هذه العملية أن نكون لطفاء مع أنفسنا ولا نحمّلها فوق طاقتها بالشعور بالذنب والعتاب المستمر. وهنا أحب أن أشير إلى ما يقوله جيمس كلير في هذا الصدد في كتابه (العادات الذرية): “إذا كنت تتحسّن بنسبة واحد بالمائة كل يوم لمدة عام واحد، فسينتهي العام وأنت أفضل بسبعٍ وثلاثين مرة مما كنت عليه في بداية العام”.

إقرأ المزيد

مقالاتنا الأخرى

التربية من عدسة التنظيم الانفعالي

نتلقى كمربين وباستمرار الكثير من النصائح الموجهة لتغيير سلوك أطفالنا. وحتى المحتوى الموجه للمربين اليوم يقع مجمله في نطاق المدارس السلوكية التي تنشغل بتقديم حلول