أن أصبح أماً (الانتقال إلى الأمومة)

مشاركة المقال:

(Matrescence) أو (الانتقال إلى الأمومة) كلمة مشابهة لمصطلح adolescence) ) الذي يعني مرحلة المراهقة، وتحديداً الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد. في هذه المرحلة يمر الإنسان في تغيرات كثيرة جسدياً ونفسياً، تجعله في حالة من الضياع والتوتر وعدم معرفة هويته الخاصة، إنها نقلة كبيرة عمومًا.

(Matrescence) تعني الانتقال إلى مرحلة الأمومة، وهذا يأخذنا إلى المقولة السائدة (مع كل طفل يولد تولد أم جديدة). وفي العادة في مجتمعاتنا الحديثة، نعتني بالأم واحتياجاتها طيلة فترة الحمل، لكن ما إن يولد الطفل حتى يتحول كل تركيزنا نحوه ويتضاءل اهتمامنا بالأم، بينما تزخر هذه المرحلة بكثير من التغيرات وعدم الوضوح بالنسبة إلى الأمهات اللاتي تعتقد غالبيتهن أن هذه المشاعر التي يواجهنها هي اكتئاب ما بعد الولادة، ولدى تشخيصهن بصورة علمية يتضح أن ما يحدث ليس اكتئاباً، لكنهن لا يتوقفن عن الشعور أن هناك شيئاً خاطئاً يحدث، لماذا لا أستمتع بأمومتي؟ لماذا أشعر بالضغط؟ وغالباً لا تتحدث الأمهات عن هذا الشيء! 

سمعت هذا المصطلح من الدكتورة (ألكساندرا ساكس) في محاضرة على (تيد)، تحدثت فيها عن أمهات يشتكين من عدم الاستمتاع بأمومتهن وإحساسهن أن شيئًا غير طبيعي يحدث! حاولت ساكس البحث في الأوراق الطبية والدراسات ولم تجد مصطلحًا يعبر عن هذا الموضوع، لكنها وجدت هذا المصطلح في ورقة بحثية مختصة بعلم الإنسان من عام 1973، وعندما قرأت أكثر عن الموضوع وجدت أن هذه هي التسمية الصحيحة لهذه المرحلة الانتقالية.

ماذا يحدث في هذه المرحلة؟

تنحصر ثقافة أغلبنا في هذا الموضوع بالتغيرات الجسدية، إذ يتغير جسم الأم خلال مرحلة الحمل خارجياً وداخلياً، كما تتغير مستويات الهرمونات أيضاً، ولكن هناك تغيرات أخرى تحدث في جسم الأم التي تتوقف عند أفكار كثيرة يتعلق جزء منها بالهوية (من أنا الآن؟ أنا مختلفة عن الإنسانة التي كنتها قبل ولادة طفلي). تؤدي كل هذه التغيرات إلى الإحساس بالضياع أحياناً، الإحساس بالكآبة وعدم الاستمتاع، وتؤثر على هذه الأحاسيس مفهومات عدة:

  • المشاعر المرتبكة: ولادة الطفل، أنا سعيدة لوجود طفل جديد لكنني لست سعيدة طوال الوقت، هناك مشاعر أخرى تظهر مثل الغضب والخوف والقلق والتوتر.
  • الصورة المثالية للأمومة: كل شيء أسمعه وأراه يروج للأم السعيدة التي تحمل طفلها الهادئ وتبتسم، وأنا (بخاصة إذا كنت أماً للمرة الأولى) قد تكون لدي صورة مثالية جداً. نعم هذا جزء من الأمومة ولكن هناك جانب آخر لا تتحدث عنه كثير من الأمهات، وعندما تمر هذه الأم بالتجربة تنصدم بالواقع وتشعر أنها مختلفة وأن مشاعرها غير مقبولة.
  • الإحساس بالذنب: تزيد انتقادات الآخرين وتوقعاتهم منا الأحاسيس المختلفة في هذه المرحلة. 
  • مثيرات نفسية من الطفولة: الأمومة فرصة لإعادة إحياء طفولتنا وتربية إنسان جديد ونفعل كل الأشياء التي تمنينا أن نحظى بها حين كنا أطفالًا وتثير لدينا مشاعر فرح؛ لكنها أيضاً تجربة تجلب كثيرًا من الذكريات غير السعيدة من طفولتنا، وهذا يضيف طبقة أخرى من المشاعر في هذه المرحلة الانتقالية.
  • المنافسة غير الصحية في العلاقات: وجود الزوج والأهل والصديقات في حياتي السابقة وانتقالي إلى وجود إنسان جديد يحتاج إلى اهتمام مركز على مدار الساعة، ومن ثم يصبح من الصعب إعطاء الاهتمام السابق نفسه للعلاقات الأخرى في حياتي، وقد أدخل في صراع بخاصة إذا كان من حولي غير متفهمين، ما قد يزيد من اشتعال الصراع في داخلي، فضلًا عن أحاسيس الضياع والقلق والحزن، ويسرق فرحنا بالمولود الجديد.

لا تتوفر معلومات كثيرة بشأن ما يحدث في جسم ودماغ الأم عندما يولد الطفل، إذ تعد الأبحاث الموجودة في هذا الخصوص قليلة جداً، ولكن الأبحاث القليلة التي اطلعت عليها مثيرة للاهتمام! يذكر أحد هذه الأبحاث أن هناك خلايا تنتقل من الجنين عبر المشيمة إلى جسم الأم، ولا نعرف تماماً لماذا يحدث هذا الأمر، لكن العلماء يعتقدون أن هذه الخلايا المهاجرة من جسم الجنين لديها القدرة للوصول إلى دماغ الأم والتأثير على الوصلات العصبية بصورة تعزز من الإحساس بالارتباط مع المولود الجديد. وفي نتائج أخرى لفحص المادة الرمادية الموجودة بين خلايا الدماغ، والمسؤولة عن نقل الرسائل العصبية بين الوصلات، وجد أن هذه المادة تقل في بعض الأماكن وتزداد في أماكن أخرى. هذه الدراسات ما زالت جديدة ولكن ما نعرفه الآن أن التغيرات التي تحدث لا تنحصر في شكل جسم الأم، بل تمتد إلى الدماغ والنفس والهوية، وبخاصة في المجتمعات الحديثة التي تصنف الوظيفة الوالدية على أنها أقل من الوظائف الأخرى. تشعر الأم بالمرارة لتغير حياتها وتخليها عن وظيفتها وشهادتها وتفقد تقديرها لذاتها لأن المجتمع لم يقدم لها هذا التقدير مثلما فعل مع صاحبات الشهادات العليا أو المهن المرموقة. ولأننا لا نعطي هذه المرحلة الانتقالية حقها من الوقت، نعتقد أن ولادة امرأة ما اليوم تعني عودتها إلى ممارسة حياتها بصورة طبيعية! ويعتقد الآخرون كالأم أو الأخت أو الصديقة أو الزوج أنها ستكون الإنسانة نفسها التي كانتها قبل قدوم المولود! وعندما لا نتكلم عن هذه التغيرات ستشعر كل واحدة منا أنها وحدها حبيسة هذه المشاعر والأحاسيس الخاطئة. وغالبًا لا تملك كثير من الأمهات الجرأة الكافية للحديث عن هذا الأمر مع شخص مقرب، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تضخم هذه المشاعر وتحولها إلى مشاكل أخرى مثل اكتئاب ما بعد الولادة أو صعوبات في العلاقة مع الأطفال.

كيف نتعامل مع هذه المرحلة الانتقالية؟ 

المصادقة على المشاعر: الخطوة الأولى هي معرفة أن هذه المرحلة التي نمر بها بعد الولادة هي مرحلة طبيعية تمر بها كل الأمهات، ناتجة عن تغيرات حقيقة تمر بها أجسامنا. نحن نتحول إلى شخصيات مختلفة، ونحتاج إلى تنمية قدرات جديدة.

مجموعات الدعم: لا يعني هذا التغيير أننا نصبح بشراً خارقين؛ على العكس نحن في هذه المرحلة في أمس الحاجة إلى طلب المساعدة وإلى وجود أشخاص متفهمين لهذا الاحتياج. قد لا نجد هذا الدعم لدى الأشخاص الذين نتصل بهم مباشرة، لكن قد نجده لدى أمهات مثلنا. لذلك يعد مفهوم مجتمعات الدعم ووجود أمهات يلتقين ويقدمن الدعم لبعضهن أمراً مهماً. وهذا ما نحاول خلقه في تنشئة، وجود مجموعة من الأمهات تسمع إحداهن الأخرى وتفهمها وتحتويها، فيشعرن بالاطمئنان إلى أن هذه المشاعر طبيعية وليست قصوراً في شخصياتنا، لكنها تحضير لمهمة عظيمة وهذا التحضير مشروط بالمرور في مرحلة متعبة ومشاعر غريبة لم نختبرها من قبل.

سوف نحصل على نتيجة أفضل عندما نعبر هذه المرحلة بفهم كامل لمشاعرنا من جانبنا ومن جانب المجتمع المحيط.

أسئلة :

  • سبع سنوات وأنا أتساءل أين أنا، لأنني ببساطة أصبحت إنسانة مختلفة بعدما أنجبت أطفالي!

كل شخص منا لديه شخصية مختلفة، بناء جسدي ومعنوي مختلف، تجارب حياتية مختلفة، ولذلك يمر في مرحلة انتقالية مختلفة قد تطول أو تقصر، فما من زمن محدد لذلك. 

  • كيف أوفّق بين أمومتي وطموحي؟ كلما فكرت في عمل شيء أشعر أنني سأقصر تجاه أبنائي!

الأمومة لا تلغي الطموح والطموح لا يلغي الأمومة، هذه وجهة نظري الشخصية. أعتقد أن الوصول إلى التوازن التام حلم لا يمكن تحقيقه. في كل مرحلة من حياتي ستكون عندي أولويات مختلفة، في إحدى المراحل سيأتي أولادي في رأس القائمة، أو ظيفتي، أو طموحي، وفي مرحلة أخرى قد تتغير هذه الأولويات، وما كان يستحوذ على 90% من اهتمامي سيحصل على 70%، وما كان يستحوذ على 10% سيحصل على 30%. وهذه هي طبيعة الحياة مع وجود الأطفال أو من دونهم. لأننا مجموعة من الأدوار؛ أنا لست موظفة فقط، ولست أماً فقط، ولست ابنة فقط. نحن نقوم بأدوار مختلفة في حياتنا، وكل مرحلة من شأنها أن تبرز أحد الأدوار أكثر من غيره. إن كيفية المواءمة بين طموحك وأمومتك شيء شخصي تقررينه أنتِ فقط، ولكن الرسالة التي أريد إيضاحها هي أن الأمومة طموح بحد ذاتها، نحن أنجبنا هؤلاء الأطفال ونحن مسؤولون عنهم، وعدم إعطاء المجتمع هذه الوظيفة الاحترام الذي يليق بها لا يعني أنها وظيفة غير مهمة. هناك أشخاص لديهم ظروف معينة تحتم عليهم العمل في خارج المنزل، لكن هذا لا يعني تقصيرهم مع أطفالهم. أنا أفعل ما أستطيعه بالموارد المتوفرة لدي في هذا الوقت. أحياناً يجب فحسب أن نتخلى عن فكرة التوازن الحالم والاقتناع بوجود أولويات متغيرة لكل مرحلة.

إقرأ المزيد

مقالاتنا الأخرى

التربية من عدسة التنظيم الانفعالي

نتلقى كمربين وباستمرار الكثير من النصائح الموجهة لتغيير سلوك أطفالنا. وحتى المحتوى الموجه للمربين اليوم يقع مجمله في نطاق المدارس السلوكية التي تنشغل بتقديم حلول